أهمّ ما في الأمور نهايتها
دائماً يبحث الناس عن النهاية، ويهتمون بها:
وذلك في كل نواحى الحياة: تروى قصة أو تشاهد رواية، وكل ما يهمك ويهم غيرك، هو كيف انتهت القصة أو الرواية؟ وقد توجد قضية أو خلاف بين زوجين، أو حادث في الطريق... المهم هو كيف أنتهى؟... وقد يشرح لك الراوى تفاصيل ما حدث. ولكنك تسأل في لهفة: والنهاية؟.. نفس الوضع في أية مباراة، أو أية منافسة، أو أية حرب بين دولتين، أو أى حوار أو تفاوض... السؤال المهم هو: وماذا كانت النهاية أو النتيجة؟...
نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى العصاميين، والمعوقين...
العصاميون بدأوا حياتهم في ظروف صعبة ما كانت تبشر بشئ من المستقبل السعيد. ولكن بالجهاد والصبر والاحتمال، قد تمكنوا من اجتياز الصعاب التي صادفتهم. وكانت النهاية طيبة جداً، حصدوا فيها ثمار جهادهم...
ويشبه هذا، من بدأت حياتهم بإعاقة بشرية مثل فقد البصر.
مثلاً. فقد كانت بداية هؤلاء متعبة. ولكن كانت النهاية طيبة. نقول هذا عن طه حسين الذي صار وزير التعليم في مصر، وعميد الأدب العربى، ورئيس جامعة الاسكندرية. وهكذا نذكر أيضاً أبا العلاء المعرى الذي صار من أعظم شعراء اللغة العربية. ونذكر مع هذين الاديبين الكبيرين القديس ديديموس الضرير الذي على الرغم من كفّ بصره، اخترع طريقة للكتابة على البارز قبل العلامة برايل بحوالى 15 قرناً، وصار من أعظم علماء المسيحية....
وهنا نقول إن المهم في حياة هؤلاء وأمثالهم، كانت النهاية التي انتهوا اليها، وليس نقطة البدء.
مثال آخر هو الذين كابدوا ضيقات كثيرة وشديدة في حياتهم. ولكن المهم في حياتهم كان هو الانفراج الذين لاقوه في النهاية...
+ نذكر من بين هؤلاء يوسف الصديق الذي عامله اخوته بحسد وعنف، حتى بيع كعبد. وعلى الرغم من إخلاصه وعفته، اُتهم إتهاماً باطلاً وظالماً من امرأة سيده، وقاسى كثيراً. لكنه في النهاية خرج من السجن ليكون أعظم وزراء مصر، والثانى في المملكة...
+ نذكر مثالاً آخر هو أيوب الصديق وما قاساه في مرضه. وكيف صبر في آلامه، حتى يُضرب به المثل في الصبر. وكيف عافاه الله في النهاية، وصارت نهاية عمره أفضل من بدايته...
+ كل هذا يفتح باباً للرجاء أمام الذين تصادفهم ضيقات أو أمراض. فربما تكون نهاية الضيقة هي الفرج، ونهاية المرض هي الشفاء.
لهذا، ففى كل طريق يسلك فيه الانسان، عليه أن يسأل نفسه في دقة وصراحة: ماذا ستكون نهاية هذا الطريق؟
+ مثال ذلك: فتاة تحب شاباً ولا أمل في أن ينتهى مثل هذا الحب بالزواج! ومع ذلك تتعلق به، ولا تضع أمامها نهاية هذا التعلق! وقد تخطئ معه، دون أن تفكر ما تنتهى اليه الخطيئة، أى الضياع!!
+ أو زوج يختلف مع زوجته، ويحتدم الاختلاف بينهما ويستمر بلا صلح، دون أن يفكر أحد منهما: ماذا ستكون نهاية هذا الخلاف، ونتائجه عليهما وعلى اولادهما؟ إنهما ينشغلان بالخلاف فقط، ولا يفكران ماذا تكون النهاية! بينما الخطورة في النهاية...
+ كذلك شاب يبدأ التدخين – ولو بسيجارة واحدة، مجاراةً لزملائه، أو رغبةً في أن يجرب طعم التدخين! مثل هذا، عليه أن يفكر جيداً ما نتيجة هذه التجربة؟!
وبنفس الطريقة كل ممارسة يمكن أن تنتهى إلى عادة.
كثيرون يأتون الينا في مشاكل مالية، نذكر منها:
+ شخص في حاجة إلى قرض مالى. وفى مقابل ذلك يوقّع على شيك بدون رصيد، أو يوقّع على إيصال أمانة. وأسوأ من هذين من يوقّع شيكاً على بياض!! يمكن أن يكتب عليه الذي يستلمه أى مبلغ خيالى!! فأين كان عقل كل شخص من هؤلاء حينما وقّع على ورقة أو شيك، يمكن أن تنتهى به إلى السجن؟! ولكنه – للأسف الشديد – أسلوب من لا يفكر في النهاية!
+ أو شخص آخر يدخل في مشروع اقتصادى أو استثمارى لم يدرسه، فتكون النهاية إفلاسه أو استدانته، وقد وضع فيه كل ماله! أو أنه يشارك في المشروع شخصاً يضع فيه كل ثقته، فتكون هذه المشاركة سبباً في ضياعه! ثم يشكو لأنه لم يفكر في النهاية...
أيضاً كل خطأ يرتكبه الانسان، عليه أن ينظر إلى النهاية، أى إلى نتائج هذا الخطأ وردود فعله...
فلا يظن أنه فعل وانتهى الأمر. إنما ليسأل نفسه: وماذا بعد؟
فمثلاً: كل غضب يشتعل في داخله، ويظهر في ألفاظه ومعاملاته، فليسأل نفسه ماذا تكون ردود فعله عند الطرف الآخر؟ سواء بالنسبة إلى نفسيته ووقع ذلك الغضب عليها، أو بماذا سيرد؟ فالأمر لم ينته بعد. وربما تكون له نهاية لا نعرف إلى أى حد! وهكذا يكون التفكير من جهة كل إساءة من نحو الآخرين..
هنا ونتناول بالتحليل المعركة بين الحق والباطل:
كثيراً ما ينجح الباطل أولاً، لأن له وسائل وحيلاً أكثر من الحق! فالباطل يستطيع أن يكذب ويخدع، ويلجأ إلى التزوير والإدعاء والنفاق... بينما لا يستطيع الحق أن يلجأ إلى شئ من هذا كله... فإن نجح الباطل بوسائله الملتوية، فلا تيأس... ليس المنتهى بعد... غالباً ما ينكشف بالوقت، وتبطل كل مؤامرته... ثم ما يلبث الحق أن ينتصر، ولكن في النهاية، بعد حين
قدّم القديس اوغسطينوس مثالاً لذلك فقال: عند إيقاد نارٍ من خشب، تبقى النار من تحت، ويرتفع الدخان إلى فوق، ويظل يرتفع وتتسع رقعته، ولكنه في كل ذلك يتبدد، بينما تبقى النار محتفظة بذاتها. وهكذا يكون الأمر بين الحق والباطل ، في كيف تكون نهاية كل منهما... والمهم في النهاية.
هنا ونتأمل حياة كل انسان ونهايته
قد يبدأ انسان حياته بالخطية، ثم يتوب ويرجع إلى الله، ويحيا في حياة الفضيلة وينمو فيها. ويلاقى الموت وهو انسان بار. هذا افضل بلا شك من انسان آخر بدأ حياته باراً، ثم انحرف فأخطأ واستمر في الخطيئة حتى موته. المهم في نهاية كل منهما...
بالمثل أيضاً شخصان: أحدهما فشل في مبدأ حياته، فأخذ درساً من فشله وأصلح مسيرته فنجح أخيراً. بينما الشخص الآخر كان في بادئ الأمر ناجحاً، وأصابه غرور من نجاحه، فتهاون كثيراً ثم انتهى إلى الفشل. والمهم هو نهاية كلٍ منهما...