ازمة حب
إنسان العصر بكل إمكاناته خلق حضارة تتمركز حول الذات، ليُشبع ميوله ورغباته الخاصة، وحضارة مثل هذه تقع في أبعد نقطة عن الالتزام بالحب، لأن الحب في مفهومه السامي خروج عن الأنا، أو تحطيم للقوقعة الذاتية، أما إذا عاش الإنسان كحصان، يتسابق في قطع أطول مسافة من أجل الفوز بلذة عابرة، فإن هذا السباق سيؤدى به إلى الوصول بأسرع طريقة، إلى نهاية طريق اللذة ألا وهو الهلاك! حقاً إن هناك حباً منتشراً كالبعوض! إنه حب القوة والغيرة والكراهية… وكم كنا نتمنى أن يستبدل هؤلاء " حب القوة " بـ " قوة الحب " ! لكى لا يصيروا كأفاعى البحر، التى تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة وتمتص دمائها بأفواه عديدة! إننا نحيا في عصر قد نكون على صواب إن أطلقنا عليه " عصر المعلومات " التى أصبحت تتزاحم وتتصارع في عقول البشر من كثرتها! إلا أن القلوب لازالت فارغة، جائعة، لأنها لم تتغذَ بالحب، وتاهت في معرفة معناه ! والعجيب أننا نقطع المحيطات من أجل اكتشاف جديد، ونصنع العقاقير التي تُسكّن آلام أمراضنا ، ونبني ناطحات السحاب، والتي أمامها يتضاءل برج بابل… متناسين أن مثل هذه الأدوية مشكّنات تأثيرها سريع الزوال ، ولن تنقص مثقال ذرة من الشعور بالفراغ، الذي ملأ قلوبنا بسبب الحب السامي الذي هجرها!
ولكن إن كانت شجرة الحياة لن تنمو وتأتى بثمر إن لم تروَ بماء الحب، وإن كان الحب هو نبع الحياة الذي لولاه لمات البشر عطشاً، فلماذا إذن نفشل في تكوين علاقات يسودها الألفة، ويكون دستورها هو الحب ؟! يجب أن نعترف بأن العيش في الحب التزام مكلف، ولهذا يقول القديس أُغسطينوس: " الحب كلمة عذبة وأعذب منها هو العمل بها ". فهناك خطأ يقع فيه الكثيرين، وهو اعتقادهم أن الحب مجرد عاطفة يكفى الإنسان أن يتمتع بها وهم في هذا يخطئون! فلكى تدخل فى علاقة حميمة ملؤها الحب يجب أن تعطى وهذا يتطلب منك أن تخرج عن ذاتك، وهذا أصعب ما فى الحب: أن نضع الآخرين فى المقدمة حيث اعتدنا نحن أن نكون!! فهل تستطيع أن تقول مع المعمدان: ينبغى أن ذلك يزيد وأنا أنقص! لو استطعت تكون بالفعل قد بدأت أول خطوة فى أعظم رحلة ألا وهى: رحلة الحب
كما أن كثيرين يعيشون رافضين لأنفسهم ويخشون تلك الزوايا المظلمة في أعماقهم، وهذا هو السبب في أنهم يضعون حواجز بينهم وبين غيرهم، بسبب تلك المناطق الحساسة التي لا يريدون أن يعبر إليها أحداً.. ولهذ كثيرا ما أقول : إنى إنسان فى داخلى يتعانق النور والظلام الخير والشر، وها نحن نتساءل: من منا بلاخطية؟! السنا جميعا اختبرنا مرارة الانفعالات المظلمة عندما تسيطر علينا وكنا نجول هنا وهناك نبحث عن شخص يعزينا وآخر يأخذ بأيدينا
وهل ننكر أن الألم يقف حجر عثرة في طريق الحب، فالألم يجعل الإنسان دائم التفكير في نفسه، ولأن العديد من الناس منشغلون بآلامهم، ويبحثون عن حل لمشاكلهم، فهم لذلك منغلقون على أنفسهم، أما قوقعة الإنسان حول ذاته فهي أكبر عائق في طريق الحب النقى، وتقود الإنسان إلى المرض النفسى.
موضوع: ازمة حب 
الجمعة فبراير 11, 2011 5:53 pm