طرطوس :
ان بطرس رسول الرب يسوع بشر في طرطوس عندما كان ذاهبا الى إنطاكية و بنى فيها كنيسة على اسم العذراء مريم و كانت الكنيسة تضم صورة السيدة العذراء التي رسمها القديس لوقا الإنجيلي و يذكر المؤرخ جورج باسيومير أنه في شهر آب عام 1290م نقل المسيحيون معهم هذه الأيقونة العجائبية الى قبرص و في قبرص كنيسة على أسم العذراء هيكلها على غرار هيكل كنيسة العذراء في طرطوس.
و تدعي صيدنايا أن صورة العذراء إياها التي رسمها لوقا الإنجيلي في حوزتها هذه الكنيسة التاريخية من التراث المسيحي الهام و قد أعاد بناءها الملك قسطنطين الكبير .
و تسرد الروايات أن زلزالا هدم قسما كبيرا من طرطوس و لم يسلم منها إلا الكنيسة و المذبح سنة 387م.
في الغزو الفرنجي سنة 1099م و في سنة 1123م أعاد الفرنجة تجديد الكنيسة و أضافوا إليها رواقين مع هيكلين شمالي و جنوبي و هي بازيليكية الشكل لها ثلاثة أروقة و فيها نقوش تشير الى ذلك .
و يقول المؤرخ الإدريسي أنها موجودة من عام 1150م كما أعيد بناؤها سنة 1220م أيضاًَ .
وفي سنة 1230م كان أسقف لاتيني يعظ فيها فطعنه أحد الحشاشين بخنجر و قتله .
بلغت طرطوس مجداً عظيماً بالنسبة الى كاتدرائيتها أول كنيسة على اسم العذراء مريم في الشرق و الغرب و خاصة عند الغربيين لأهمية موقعها و قد بنيت قبل اكتشاف عود الصليب المقدس و قبل بناء كنيسة القيامة .
كانت هدفاً للحج يأتي إليها المسيحيون من الشرق و الغرب لنيل البركة من السيدة العذراء والدة الإله و كانوا يأتون على خطى بولس الرسول يزورون الكنيسة ثم يذهبون إلى أرواد و منها يبحرون إلى الغرب .
عرفت كنيسة طرطوس أطواراً كثيرة عبر التاريخ من أيدي الغربيين إلى أيدي اليونانيين إلى أن استأثرت بها الكنيسة الغربية .
أبحر الملك بطرس الأول ملك قبرص بجيشه سنة 1367م قاصداً طرطوس فاحتلها و حول الكنيسة إلى ترسانة و قبل انسحابه أحرقها و دمرها فضعفت أهمية طرطوس و الكاتدرائية .
في القرن السابع عشر حولها الأتراك إلى إسطبل للخيول و مستودع . و في سنة 1851م حولت إلى جامع و بنوا فيها مئذنة ثم هدموا قباب الجرس و بنوا مئذنة على سطحها و لكنها لم تستمر جامعاً إلا لفترة بسيطة لم تتعد سنين قليلة إذ تركها المسلمون و جعل منها الأتراك معسكراً لجيشهم .
في سنة 1921م حولتها فرنسا في البدء إلى مستودع للمواصلات و في سنة 1927م ألحقتها السلطات الفرنسية بمصلحة الآثار .......
و في سنة 1956م رممتها السلطات السورية ثم حولتها إلى متحف و ما زالت إلى اليوم تابعة لمديرية الآثار و المتاحف .
المسيحية باللاذقية :
بعض الكتاب المؤرخون ذكروا أن اللاذقية الساحلية هذه نالت البشارة على يد الرسول متى تلميذ الرب يسوع و الذي أسس فيها كنيسة و أقام عليها أسقفاً و يذكر بولس الرسول في رسائله أن لوقانيوس اللاذقي رعى رعية الله بحكمة .
لقد انتشرت المسيحية بسرعة خاصة بأريافها و قضائها و أصبح عدداً كبيراً من قراها يحمل اسم دير و أدياراً و صوامع و مزارات للعذراء مريم و قد انتشرت هذه الديانة رغم الاضطهاد الوثني من قبل روما و اضطهاد اليهود و قدمت هذه الديانة الكثير من الشهداء الذين سوف ندرج أسماؤهم لاحقاً .
في أعقاب مرسوم ميلانو 312م رفعت اللاذقية رأسها و كثرت فيها الدعوات الرهبانية و ازداد عدد المسيحيين فما كان من بطريركية أنطاكية إلا أن كرمتها بميزة خاصة إذ جعلتها نيابة بطريركية و أطلقت على أسقفها اسم الوكيل .
و كان البطريرك ينتدب أسقفها لمعالجة حالات الشؤون الدينية الخطرة و هذا ما أثبته الكاتب اليوناني نقلاً عن مخطوط قديم ترجم إلى اللغة السريانية و حفظ منه نسختان .
و لقد رفعت أبرشية اللاذقية بعد ذلك إلى رتبة متروبوليتية و كانت تضم بحسب موقعها الهام بقاع أنطاكية و الخلقدوقيين بالإضافة إلى أبرشيات بحرية مطرانية جبلة تالس (عرب الملك) بانياس , مرقية , طرطوس , أرواد , و في سنة 459 م أصبح أسقفها رئيس أساقفة لكونها تخضع للبطريرك مباشرة و بعد حدوث الزلزال التي ضربت الساحل السوري و اللاذقية عام 484م 529م 555م نرى الإمبراطور يوستسنسانوس يفصلها عن أنطاكية و يدخلها إقليم تيودوروباذ مع ثلاث أسقفيات تابعة لها و هي جبلة , بالتوس , بانياس و قد حصل أسقفها على درجة مستقلة من المرتبة الثالثة .
و في القرن العاشر دخلتها الجيوش البيزنطية فأصبحت مطرانية مستقلة ليس لها أبرشيات تابعة لها و في أيام الراهب (فيلومن ذوكسا باتري) حسب سجلات البطريركية للأساقفة سنة 1143م رفعت إلى متروبوليتية و لكن في سنة 1280م لم نجد لها أثراً و في سنة 1648م نشهد نهوض أبرشية تيوروباذا القديمة و نجد لائحة لكنيسة أنطاكية تعود إلى مكاريوس الزعيم 1648م و الموارنة كان لهم أسقفهم الخاص و كان له شأن إلى جانب أساقفة الطوائف الأخرى و دور فعال و كان أسقفا مستقلاً.
و المجمع الماروني المنعقد في لويزة سنة 1736م أحصى مطرانية اللاذقية في عداد الكراسي التابعة لبطريركية أنطاكية و أدرج أسم أسقفها الماروني .
و كان أيضاً للسريان الروم الأرثوذكس اليعاقبة أسقفهم الخاص . بل إن المطران يعقوب البرادعي الذي يعود الفضل إليه في تنظيم الكنيسة اليعقوبية و انتشارها حسب المؤرخ فيليب حتي كان مطراناً على اللاذقية /1/ و قد رسم عام 543م .
و لكن هنالك رأياً آخر يقول كان على الرها و في أثناء الاحتلال الفرنجي كان لها أسقف خاص تابع لبطريرك اللاتين المقيم في أنطاكية .
و لكن بعد وقوع الانفصال بين الكنيسة الشرقية و الغربية أصبح للروم أسقف خاص عام 1143م و قد نتج عن المجمع الخلقدوني أربع كنائس نسطورية مونوفيزية خلقدونية مارونية . و لذلك نرى لكل طائفة بطريركها الخاص و أسقفها الخاص ما عدا النساطرة .
و لكن تجد بشكل بارز الكنائس الملكية – المارونية – المونوفيزية – الأرثوذكسية – الاتينية في اللاذقية في مختلف مراحل التاريخ تلك الحقبة .
نالت البشارة على يد متى تلميذ الرب الذي أسس فيها كنيسة و سام عليها أسقفاً حسب عادة الرسل و قد ذكر المؤرخ ميخائيل السوري و وافقه الأب باسكال كاستيلانيا و لومند الفرنسي أن تداوس الرسول خليفة يهوذا الأسخريوطي قد اقتفى خطى القديس متى و بشر في جبلة و توفي فيها و دفن في أرواد و هكذا شقت المسيحية طريقها في جبلة و المدن الساحلية و أريافها متخطية الصعوبات و الاضطهاد في الخفاء و العلن وقدمت الشهادة للمسيح حتى الموت و دخلها الناس أفواجاً و لقد ناصبها اليهود و الوثنيين العداء فوقع فيها أعداداً كبيرة من الشهداء كما في سائر أنحاء الإمبراطورية .
و لقد بلغت كنيسة جبلة واللاذقية و المدن الساحلية مجداً إذ شع نور الإنجيل و شعاع الحياة الرهبانية فيها خاصة في جبلة التي كانت أول منارة للحياة النسكية و الرهبانية و كان دير مار إسحق هو الذي أطلق أول شعاع للحياة الرهبانية و قد انتشر رهبانه في مطرانيات الساحل و جبالها و قد رسخ نهج الحياة الرهبانية و نظم حياة النساك في الصحراء و العراء القديس أناطوليوس و أوصابيوس اللاذقية في القرن الثالث .
__________________